في عام 2040 يرقد رجل جاوز السبعين من عمره على فراش الموت وحوله ابنه
وحفيديه ويبدو عليهم جميعا الحزن للفراق الوشيك للرجل الذي غاب عن الوعي
من شدة المرض .. فجأة يستيقظ الرجل ليقول "احنا نور عينيه" ويظل يرددها إلى
أن يغيب عن الوعي مرة أخرى .. ظل يكرر ذلك خمس مرات على الأقل ..
في المرة الأخيرة جذب ابنه إليه بقوة وقال له : “الدفتر الأحمر .. الدرج
اليمين .. احنا نور عينيه .. احنا نور عينيه" ثم شهق شهقته الأخيرة وفارق
الحياة ..
فتح ابنه درج مكتب والده الأيمن ليجد الدفتر الأحمر مغلفا
بعناية فائقة .. عندما بدأ القراءة اكتشف أن والده كان يعمل في الحراسة
الخاصة بالفريق عبدالرزاق البيصي .. في البداية كانت كتابة والده مملة ..
إلى أن وصل إلى منتصف الدفتر ليجد فصلا عنوانه "احنا نور عينيه" ..
***
"كانت ليلة غريبة للغاية .. زميلي في الحراسة كان مريضا بشدة ولم يحضر إلى العمل وانتشرت شائعات أن مرضه بسبب أنه عرف سرا خطيرا يخفيه الفريق الذي نحرسه .. في ذلك اليوم كلفت بحراسة البدروم في قصر سيادة الفريق .. عندما نحرس البدروم فإننا نقف خارجه ولا نتجرأ أبدا على النظر إلى الداخل لأن ذلك ممنوع ويعرضنا للمحاكمة بتهمة إفشاء أسرار عسكرية ..
كان الفريق قد
ألقى خطابا عظيما حمس الجماهير .. سمعته على الراديو، ولكنني لا أذكر منه
لحظة كتابة هذه السطور إلا جملة "انتوا مش عارفين إن أنتم نور عينينا وللا
ايه؟!” .. أثرت فيّ هذه الكلمة كثيرا ..
ليلتها نزل الفريق إلى
البدروم وهو يبتسم بجنون ودخل إلى البدروم دون أن يلحظ أنني أحرس المكان ..
انتابني الفضول فتسللت ورائه إلى الغرفة ووجدته يخلع بنطاله العسكري ويجلس
على كرسي معدني عجيب عاري المؤخرة .. ثم ردد في جنون "انتوا نور عينيا"
وأنزل سكينة ضخمة تشبه سكينة الكهرباء فامتلأت الغرفة بشرارات كهربائية
كبيرة تشبه الرعد، وانطفأت أنوار الردهة والغرفة وبدا أن كل كهرباء المكان
تتجه مباشرة إلى مؤخرته وهو يقهقه في جنون يتعاظم كل ثانية ..
ارتعدت فرائصي وخرجت خارج الغرفة ووقفت مكاني في الحراسة كأن شيئا لم يكن
.. علمت بعدها أن الكهرباء انقطعت عن معظم محافظات الجمهورية في نفس الوقت
الذي كان الفريق فيه على الكرسي!
كرر الفريق هذا الأمر مرات عديدة ..
ثم بدأت ألاحظ شيئا عجيبا .. في المرات الأولى كان يصر على ارتداء نظارة
شمسية طوال الوقت وفي كل مكان .. لكنه بعد فترة من تكرار هذا الأمر لم يعد
يرتديها .. وإن كانت عيناه تبدوان مطفأتين وهو داخل إلى الغرفة وتصبحان
لامعتين ومضيئتين كمصابيح صغيرى وهو يخرج منها كل مرة!”
***
ارتعد الابن وقام بلف الدفتر بأوراق جريدة الوطن وخبأه في ملابسه وذهب إلى شبكة صرف المدينة وألقى بالمذكرات في المجارير .. فحاكم البلاد لحظتها كان هو الفريق عبدالرزاق البيصي!
لكن المذكرات طفحت بعدها بفترة
قليلة ووجدها أحد المواطنين وظل محتفظها بها إلى إن مات الفريق البيصي
بعدها بثلاثين عاما أخرى حكم فيها البلاد بالحديد والنار وانقطاع الكهرباء
ثم قام بنشرها .. وكان أحد الحفيدين لا يزال حيا ليروي لنا القصة!