مصعب أحمد - عبقرينو - عشرينات
في صمت الفضاء السحيق يقف مخرجا لسانه لكل سكان كوكب الأرض، بعد أن فجر أزمة نجحت في إحداث "حرب كواكب" حقيقية هذه المرة بين علماء الفلك الأرضيين بالرغم من صغر حجمه الشديد!
بلوتو (Pluto) –مفجر هذه الأزمة- اكتشفه الفلكي الأمريكي "كلايد تومبو" في أحد عمليات استكشاف الأجرام السماوية عام 1930 م، وهو كوكب يعادل حجمه ثلثي (2/3) حجم القمر التابع لكوكبنا حيث يبلغ قطره 1430 ميلا -أي 2301 كيلو مترا-،اليوم على سطحه يعادل 6 أيام و9 ساعات أرضية، والسنة تعادل 248 سنة بتوقيتنا الأرضي، ويبعد عن شمسنا 39 ضعفا عما نبعد عنها نحن!(1)
بدأت الأزمة بعد انتهاء مؤتمر الفلكيين الدوليين IAU -الذي لابد أن معظمنا سمع عنه- حيث كان المقرر أن يقوم العلماء فيه بتحديد مصير لقب بلوتو "الكوكبي"، هل سيظل بلوتو كوكبا أم سيصنف على أنه نوع آخر من الأجرام الفضائية، وانتهى المؤتمر باتفاق "الموجودين" على إسقاط اللقب عن بلوتو ووضع تعريف جديد لمفهوم كلمة "كوكب" يتمثل بشكل رئيسي في وجود نوعين منه (كواكب-Planets) و(كواكب أقزام-Dwarf Planets)!!
أثار هذا الأمر جدلا واسعا في الرأي العام العالمي – وهو أمر طبيعي-؛ عن تأثير هذا على المناهج الدراسية وما تعلموه طوال حياتهم و تربوا و نشئوا عليه، و انقسموا ما بين مؤيد ومعارض ومحايد.
(آن مينارد) في المقال الذي نشرته لتغطية الخبر على موقع National Geographic News حاولت أن تكون محايدة و لكنها لم تستطع كتمان تلك النبرة من الاستنكار في عنوان مقالها "ماذا عسانا نخبر الأطفال؟!"، أما "جون جيبسون" من Fox News فلم يكتف بالتلميح و اعترض صراحة في مقاله و بشكل ساخر تماما معلنا لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم فبلوتو سيظل في نظره كوكبا و لا شيء يجبره على تغيير قناعاته..
أما كارل ماثيوز -مؤلف موسيقي- أصيب بالإحباط الشديد عندما علم بالخبر و هو في مطار روما، فكارل كان قد ألف مقطوعة موسيقية سماها "Pluto"عام 2000، و أضافها إلى مجموعة من سبع مقطوعات موسيقية تمثل الكواكب السبع الأخرى غير الأرض آنذاك ألفها جوستاف هولست عام 1917 بعنوان "الكواكب"، و قال كارل ماثيوز "كنت أعلم أن ذلك قد يحدث .. حيث أنه كان هناك جدل كبير بشأن حجم بلوتو .. ولكن على الأقل كان كوكبا حينما كتبت المقطوعة"، ويبدو أن المقطوعة الموسيقية (بلوتو) كتب لها البقاء -على الأقل للتاريخ- بعد أن قررت أحد الشركات تسجيلها وستعزفها أوركسترا برلين "الفيلهارموني" بقيادة "سيمون راتال".
و ظهرت آثار هذا الجدل في أوضح صوره في عالم المدونات الالكترونية، فمثلا كتبت دولمان في مدونة "هيا نتحدث عن ..." تحت عنوان "لا تشعروا بالحزن لأجل بلوتو" أنه قد أدى دوره و ترك بصمة واضحة في تاريخ مجرتنا في زمن تتغير فيه الظروف و المعطيات بـ"سرعة الضوء"، و على غرار "هايل هتلر" أطلق أحد المدونين الفلبينيين تحية "هايل بلوتو .. ملك الكواكب القزمة و حزام كويبر و المذنبات!!" مقتنعا و مرحبا بالتصنيف الفلكي الجديد!
و أبرز ردود الأفعال تلك رد فعل "إيريك" حيث أنشأ موقعا الكترونيا لإعادة انتخاب بلوتو كوكبا تاسعا لمجموعتنا الشمسية! ولم يكتف بهذا بل وضع لافتات في حديقة منزله من أجل حملته! ولمشاهدة المزيد من ردود أفعال المدونين كل ما عليك أن تدخل على موقع search.blogger.com التابع لجوجل و اكتب كلمة Pluto في خانة البحث و ستجد مئات النتائج.
العجيب أنه لم تكن هناك ردود فعل عربية ذات وزن يذكر، و هو ما يجعلنا نتسائل هل لا يهمنا أمر "الكون" و المجرة التي نعيش بها إلى هذا الحد؟!و هل هو "كونهم" هم و لا علاقة لنا به؟!
عودة الـ"بلوتو"!
و يبدو أن "إيريك" و "كارل" و كل محبي بلوتو قد يفرحون قريبا مرة أخرى، فقد وصلت الأزمة قمتها عندما بدأت مجموعة أخرى من العلماء حملة مضادة عنيفة على هذا القرار، فهم يرون أن تلاعبا تم في عملية التصويت و قالوا في بيان حملتهم لجمع توقيعات علماء الفلك المعارضين أن 428 عالما فقط هم من قاموا بالتصويت من أصل 10,000 أعضاء تقريبا باتحاد الفلكيين الدوليين! و هو ما يفتح الباب للتساؤل عن "الفساد العلمي".
و في أقل من خمسة أيام، وصل عدد الموقعين على عريضة الاحتجاج هذه 300 عالما من بينهم أشخاص قاموا بدراسة كل كوكب و كويكب في مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى حزام كويبر، و بعضهم شارك في حملات استكشاف مجموعتنا الشمسية التي تمت باستخدام الروبوت، و بوصولهم إلى هذا العدد أغلق المنظمون العريضة معتبرين أنها أدت دورها و أوضحت رسالتهم جيدا للاتحاد، إلا أنهم ظلوا متمسكين بموقفهم :
“We, as planetary scientists and astronomers, do not agree with the IAU's definition of a planet, nor will we use it. A better definition is needed”
"نحن كعلماء فلك و كواكب لا نوافق على التعريف الجديد الذي أقره اتحاد الفلكيين الدوليين و لن نستخدمه، و نصر على ضرورة وجود تعريف جديد"
تاريخ مثير لكوكب صغير
هذه الأزمة ليست غريبة على بلوتو بالرغم من صغر حجمه، فتاريخه أقل ما يوصف به أنه مثير، نبدأ باسمه الذي اختارته له فتاة عمرها آنذاك 11 عاما! كان يملك الحق في تسميته ساعتها معهد لويل للبحث الفلكي و مديره "فيستو ميلفن سليفر" الذي طلب منه "كلايد تومبو" -مكتشف الكوكب- أن يقترح له اسما بسرعة قبل أن يفعل ذلك شخص آخر، و اقترحت مطلقته اسم "زيوس Zeus" ثم "لويل Lowell" و أخيرا اقترحت اسمها، و لم يلق أي منهم القبول، و تم اقتراح أسماء أخرى مثل "كروناس Cronus" و "مينريفا Minerva" و كانا مرشحين بقوة، و طرح الاسم "بلوتو Pluto" لأول مرة فتاة من أوكسفورد في بريطانيا اسمها "فينيتيا باير Venetia Phair" في حوار مع جدها فالكونر مادان أحد العاملين بمكتبة تابعة لجامعة أوكسفورد الذي بدوره قام بتمريره إلى الدكتور "هيربرت هول تيرنر Herbert Hall Turner" ليصل إلى زملائه في أمريكا، و بعد مناقشات مثيرة استقر به المطاف اسما للكوكب الأول من مايو 1930.
و يتميز الاسم بدلالات كثيرة، فهو مكافئ للفظ الروماني “Hades” و الذي يعني "غير معروف المنشأ"، و يخلد اسم إله الرومان Pluto ، و يحمل الحروف الأولى من الفلكي المعروف Percival Lowell، و في كل من اللغات الصينية و اليابانية و الكورية يعني "نجمة ملك الموت Star of the King of the Dead"، و في اللغة الفيتنامية هو اسم آخر لياما Yama أو حارس جهنم كما يعتقدون في المعتقدات الهندوسية!
بلوتو ذلك الكوكب غير المعروف النشأة و الذي تختلف طبيعته عن بقية كواكب مجموعتنا الشمسية بعد اكتشافه مباشرة توقع العلماء أنه سيتفتت في غضون عشر سنوات على الأكثر، إلا أنهم فوجئوا به يزداد كثافة و قوة مما جعلهم يعيدون حساباتهم أكثر من مرة، و يستسلموا للحيرة بعدها!
"تشارون Charon"، هو اسم القمر الرئيسي لبلوتو، و مقارنة بحجمه فهو ضخم، هو الآخر أثار دهشة العديد من العلماء، و لم يكتفي الشقي الصغير بلوتو بذلك فقط، بل فجأة اكتشف العلماء أن هناك قمرين آخرين يدوران حوله! و صرح أحدهم لإحدى الصحف إثر هذا الاكتشاف "إنه نظام كامل هناك"!
و كان بلوتو في البدء الكوكب الثامن في بعده عن الشمس، إلى أن تقاطع مداره مع مدار كوكب نبتون و تخطاه ليصبح ترتيبه التاسع! و يتوقع العلماء أنه سيطل كذلك لمدة 228 عاما على الأقل منذ تخطيه لنبتون في تسعينات القرن الماضي!
على أي حال، نحن لا نملك إلا الانتظار لما ستسفر عنه الأيام القادمة من مفاجآت أخرى سواء كان صانعها "بلوتو" أو "حرب الكواكب" الدائرة بين علماء كوكبنا الآن..
-----
(2) نص بيان الحملة.
هناك 4 تعليقات:
روق دمك اومال ياعم مصعب..
احنا هنرجع بلوتو وميكي ماوس وكل الناس الحلوة دي بس انت هدي أعصابك :)
انا شايف مفيش هنا حقيقة علمية ظهرت ولا نظرية اتغيرت..الحكاية كلها "وهي مهمة مفيش شك" لكنها متعلقة بنقاشات كان ممكن تتحل يعني منغير الدوشة دي كلها!!
شكرا لعرض الموضوع بالاستفاضة دي,,, أنا كنت بدور علي مصادر عن الموضوع دا
والنبي الدمعة كانت هتفر من عيني على اللي حصل للأخ بلوتو ، ولو اني لحقتها الحمد لله ولحقت كمان العدس والتقلية
أحسنت يا عسل والله انت اصلي وما زلنا ندافع عن بلوتو حتى النهاية فل تصمد يا بلوتو وخلي المخرفين دول يروقو يكفي انو قالو حا يتفتفت في 10 سنين دائم اصحاب برج العقرب يفاجئو الناس وهذا هوا بلوتو
تحياتي لك يا صاحب الدونة
إرسال تعليق