وكأن قلبك المنهك من قلوب أخرى تحجرت وآلام مشرط الجراحة كان يشعر..
طلبت مني ألا أمكث هذا الأسبوع عند جدي في الفيوم كما كان الحال في الفصل الدراسي الأول حيث كليتي ودراستي، وآثرت أن أسافر صباحا وأعود آخر كل يوم وعندما قلت لك "حاضر يا أبي ولكن لغاية امتى؟" أجبتني بنبرة لم أفهم ما تحمل من معان "قريب أوي يا ابني"..
قربتني منك أكثر وأنا لا أدري، كانت نظراتك حانية أكثر مما اعتدت فتعجبت ولكنني أبدا لم أدرك سببا ولا أخفيك سرا أصلا ما حاولت، فقط استمتعت قدر استطاعتي بلحظات السكينة هذه التي كانت نادرة جدا في العامين السابقين..
منذ أربع سنوات في مثل هذه الأيام (العشر الأوائل من ذي الحجة) كنا نتندر ونضحك جميعا في كل عشاء يجمعنا سويا كيف اجتزت العملية الأولى لإصلاح ذلك العيب الخلقي في بطين قلبك الدافئ، وكيف اجتزت العملية الثانية لزرع جهاز تنظيم ضربات قلبك، كيف اجتزت كل هذا و تقعدك في سرير المرض نزلة برد عادية وكنت تكتفي أنت بابتسامة بدت لي حزينة ولكنني كنت أكذب عيني وأصمت..
كنت أنت حزينا جدا لأنك لم تستطع أن تصوم، فقد كنت تعشق صيام هذه الأيام، كنت حزينا أيضا أنك لا تستطيع التركيز كثيرا في القراءة والكتابة اللتان هما عالمك الخاص، كنت تدلف إلى غرفة مكتبك، تحتضن كتبك على أرففها بعينيك، تخبرني متى بدأت تصنع هذه المكتبة الضخمة، وكيف أن كلاب أمن الدولة هدموا نواتها الأولى وكيف بنيتها من جديد..
كان يوم جمعة..
كنت تعباً لدرجة أنك لم تستطع الوقوف لتتوضأ وتصلي العصر، فناديت علينا ليأتي أحد تستند على كتفيه وتقوم، كنت في طريقي إليك، وأنت على طرف السرير المواجه لباب الغرفة تحاول القيام.. سرت نحوك مادا يداي إليك فإذا بك أمام عيني تجلس عاجزا عن الوقوف ويخفق قلبي لا أدري لماذا، نظرت إليَ آخر نظرة لك في حياتنا البالية ورفعت عينيك وشهقت شهقة صغيرة ثم استندت على جانب سريرك و... واستكنت..
انخلع قلبي رافضا تصديق ما ظن أنه قد حدث، واستندت إلى الحائط وشعرت بألف ألف مطرقة تهشم رأسي من أعماقها، زاغت عيناي ولم أعد أرى سوى عينيك الناظرتين لأعلى..
كل التفاصيل بعد ذلك لم أستوعبها، لم يكن قلبي وعقلي معي ليستوعبا، ذهبنا إلى أملنا بعد الله، إلى المستشفى، و جاء عمي الصغير هناك وعدت أنا للمنزل لأعتني بإخوتي..
- هل حقا ......؟!
- لا .. حتما سيعود..
إلى أن عاد عمي وأنت معه لا تقوى على حراك، وأدخلك غرفتك وأرقدك على سريرك و... وغطى وجهك...
نظرت إليه شبه منهار أدعو الله ألا يقولها.. لكنه قالها..
قالها قاسية جدا يا أبي..
لم أتمالك نفسي وانهرت، ولكنني كما علمتني تواريت عن الأنظار وسجدت بين يدي ربي أبكي.. فوحده بعد أن تركتني أثق أنه يسمعني دون أن يردني..
أبي..
واحشني أوي أوي أوي
أبي..
بأحبك.. واحشني حضنك...
طلبت مني ألا أمكث هذا الأسبوع عند جدي في الفيوم كما كان الحال في الفصل الدراسي الأول حيث كليتي ودراستي، وآثرت أن أسافر صباحا وأعود آخر كل يوم وعندما قلت لك "حاضر يا أبي ولكن لغاية امتى؟" أجبتني بنبرة لم أفهم ما تحمل من معان "قريب أوي يا ابني"..
قربتني منك أكثر وأنا لا أدري، كانت نظراتك حانية أكثر مما اعتدت فتعجبت ولكنني أبدا لم أدرك سببا ولا أخفيك سرا أصلا ما حاولت، فقط استمتعت قدر استطاعتي بلحظات السكينة هذه التي كانت نادرة جدا في العامين السابقين..
منذ أربع سنوات في مثل هذه الأيام (العشر الأوائل من ذي الحجة) كنا نتندر ونضحك جميعا في كل عشاء يجمعنا سويا كيف اجتزت العملية الأولى لإصلاح ذلك العيب الخلقي في بطين قلبك الدافئ، وكيف اجتزت العملية الثانية لزرع جهاز تنظيم ضربات قلبك، كيف اجتزت كل هذا و تقعدك في سرير المرض نزلة برد عادية وكنت تكتفي أنت بابتسامة بدت لي حزينة ولكنني كنت أكذب عيني وأصمت..
كنت أنت حزينا جدا لأنك لم تستطع أن تصوم، فقد كنت تعشق صيام هذه الأيام، كنت حزينا أيضا أنك لا تستطيع التركيز كثيرا في القراءة والكتابة اللتان هما عالمك الخاص، كنت تدلف إلى غرفة مكتبك، تحتضن كتبك على أرففها بعينيك، تخبرني متى بدأت تصنع هذه المكتبة الضخمة، وكيف أن كلاب أمن الدولة هدموا نواتها الأولى وكيف بنيتها من جديد..
كان يوم جمعة..
كنت تعباً لدرجة أنك لم تستطع الوقوف لتتوضأ وتصلي العصر، فناديت علينا ليأتي أحد تستند على كتفيه وتقوم، كنت في طريقي إليك، وأنت على طرف السرير المواجه لباب الغرفة تحاول القيام.. سرت نحوك مادا يداي إليك فإذا بك أمام عيني تجلس عاجزا عن الوقوف ويخفق قلبي لا أدري لماذا، نظرت إليَ آخر نظرة لك في حياتنا البالية ورفعت عينيك وشهقت شهقة صغيرة ثم استندت على جانب سريرك و... واستكنت..
انخلع قلبي رافضا تصديق ما ظن أنه قد حدث، واستندت إلى الحائط وشعرت بألف ألف مطرقة تهشم رأسي من أعماقها، زاغت عيناي ولم أعد أرى سوى عينيك الناظرتين لأعلى..
كل التفاصيل بعد ذلك لم أستوعبها، لم يكن قلبي وعقلي معي ليستوعبا، ذهبنا إلى أملنا بعد الله، إلى المستشفى، و جاء عمي الصغير هناك وعدت أنا للمنزل لأعتني بإخوتي..
- هل حقا ......؟!
- لا .. حتما سيعود..
إلى أن عاد عمي وأنت معه لا تقوى على حراك، وأدخلك غرفتك وأرقدك على سريرك و... وغطى وجهك...
نظرت إليه شبه منهار أدعو الله ألا يقولها.. لكنه قالها..
قالها قاسية جدا يا أبي..
لم أتمالك نفسي وانهرت، ولكنني كما علمتني تواريت عن الأنظار وسجدت بين يدي ربي أبكي.. فوحده بعد أن تركتني أثق أنه يسمعني دون أن يردني..
أبي..
واحشني أوي أوي أوي
أبي..
بأحبك.. واحشني حضنك...